بعد 35 شهرا من اللقاء الرائع بين القمر والزهرة، والذي أمكننا رصده بيسر من الوطن العربي في حزيران/ يونيو 2007، فهاهو القمر يعيد الكرّة وفي وضح النهار.
القمر الذي يضفي على السماء وأجرامها رونقا خاصا بحركاته السريعة بينها وبتغيّر أشكاله من يوم لآخر، يحتلّ مساحة لا بأس بها من السماء. فهو يغطي مساحة بقطر نصف درجة من السماء، الأمر الذي يجعل فرصة مروره أمام جرم آخر من الأجرام السماوية أمرا غير نادر. وكما أنه يحجب الشمس في ظاهرة خاصة نسميها كسوف الشمس، فإن القمر كثيرا ما يقوم بحجب كواكب ونجوم مختلفة. والحقيقة أنه يحجب نجوما في كل يوم، إلا أننا كهواة فلك لا نشير إلا إلى تلك الاحتجابات التي يكون الجرم المحتجب فيها لامعا ومعروفا، بحيث لا يضطر الناس إلى استخدام تلسكوب في معظم الأحوال لرؤية الظاهرة.
ماذا سنرى:
في معظم الدول العربية يكون الاحتجاب مشاهدا، أي أن الزهرة ستختفي بالفعل وراء القمر في معظم العواصم العربية باستثناء أربع عواصم فقط، وهي: نواكشوط والرباط والجزائر وتونس، حيث سيشاهد الهواة من خلال المرقب طبعا القمر يمر قريبا من الزهرة بشكل محاذ لها، ولكنه لن يحجبها.
أما الهواة في باقي العواصم العربية، فسوف يتمكّنون من مشاهدة القمر وهو يقترب من الزهرة شيئا فشيئا أثناء حركته من الغرب إلى الشرق، إلى أن يلامسها فيحجبها وراء قرصه نهارا بحيث يمكن متاعبة كل ذلك من خلال التلسكوب. وسيكون توقيت الاحتجاب مختلفا بالطبع من عاصمة لأخرى، وستختلف فترة الاحتجاب كذلك. والجدول المرفق يوضّح كلّ التفاصيل.
ملاحظات للرصد:
القمر ومعه الزهرة سيكونان على بعد 30 درجة تقريبا من الشمس، وهذا ليس بالبعد الكبير الآمن، بل تبقى الشمس على هذا البعد من الحدث ذات تأثير كبير بحيث تشكّل خطرا على العينين وعلى الأجهزة إن حصلت أخطاء أثناء الرصد.. أي إنه إذا ما تمّ توجيه التلسكوب بالخطأ إلى الشمس، فإن ذلك سوف يؤدي على أغلب الظن إلى إتلاف بعض أجزاء المرقب بحسب نوعه، والأخطر أن تكون عين أحدهم عند العدسة مما سيعرضها للخطر المباشر بكل تأكيد. لذا فإن على الهواة والناس العاديين عدم استخدام المنظار العادي إلا بحذر وإشراف فلكيين وهواة فلك متمرّسين، وعدم تحريك التلسكوب عشوائيا أثناء الرصد حتى لا يقترب من الشمس فيتحول الأمر إلى مشكلة.
إن هذه الظاهرة لا تشبه كسوف الشمس؛ ولذلك فأنت لن تحتاج إلى نظارة كسوف لأن الأمر غير متعلق بالشمس التي يجب تجنبّها تماما.
أفضل طريقة هي أن نبني مظلة كبيرة بحيث تصنع ظلا مناسبا تحجب الشمس، ويبقى القمر والزهرة واضحين. ولا داعي للتأكيد أن الأجرام الثلاثة سوف تتحرك في فترة الاحتجاب بسبب دوران الأرض مما يستدعي دراسة أفضل وضع لبناء تلك المظلة وربما تحريكها بما يفيد العملية الرصدية.
أين تجد القمر والزهرة؟
برغم أن هواة الفلك يعرفون أن مشاهدة كوكب الزهرة نهارا ليست بالأمر المستحيل، فإن رؤيته في هذه المرة لن تكون أمراً يسيراً. وإذا كنت مبتدئا فإنه لن يكون أمر إيجاد البطلين (القمر والزهرة) أمرا سهلا لقربهما من الشمس ولخفوتهما، فالقمر هلال صغير والزهرة ما زالت بعيدة عن الأرض وهي في وقت الحدث لن تكون باهرة اللمعان.
لإيجاد القمر والزهرة، عليك أن تبتعد عن مركز الشمس لمسافة 30 درجة باتجاه الشرق، أي إلى اليسار. ربما لن تتوفر لديك آلات لقياس الدرجات، ولذلك فأنصحك بأن تمد ذراعك بأقصى ما يمكن للأمام وأن تفتح شبرا كاملا ما بين أصابعك. فإن المسافة ما بين أبعد أصبعين في الشبر تساوي 25 درجة تقريبا. استخدم هذه الطريقة لمعاينة مسافة الـ 30 درجة تقريبا.
الشكل المرفق يوضح كيف سيمر القمر من أمام الأرض بالنسبة لراصد ما على الزهرة. هذه الحيلة توضح البلدان التي ستشاهد الحدث من على الأرض. وهي المناطق التي يخفيها القمر وراءه. أما المناطق القريبة من المسار فيمكن لهواة الفلك فيها مشاهدة الزهرة قريبة من القمر عند أقرب لحظة بينهما، ولكنه لن يتمكن من حجبها. وكلما ابتعدنا عن مسار القمر في المشهد، كانت الزهرة أبعد عن القمر عند أقرب نقطة بينهما.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
تذكر قوله تعالى: ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد )